• 28 مارس 2024
 معركة نيكوبوليس.. الإعصار العثماني الذي غزا أوروبا

معركة نيكوبوليس.. الإعصار العثماني الذي غزا أوروبا

معركة نيكوبوليس.. الإعصار العثماني الذي غزا أوروبا

محمد السكني – تركيا – معركة نيكوبوليس المعركة التي كانت سبباً في أحكام قبضة العثمانيين وسيطرتها على دولتي بلغاريا والبلقان إبان الدولة العثمانية لأكثر من خمسة قرون، وجرت أحداث معركة نيكوبوليس التاريخية ضمن حصن نيكوبوليس الموجود في الأراضي البلغارية في الوقت الحالي والذي يعد البوابة الواصلة إلى عمق مناطق سيطرة الدول العثمانية في أوروبا، والإعصار العثماني الذي يمهد لحصار مدينة القسطنطينية، فما هي أحداث قصة معركة نيكوبوليس التاريخية وأثرها على المد العثماني الكبير الذي غزا أوروبا في تلك الحقبة؟

من قيامة عثمان وصولا إلى معركة نيكوبوليس

عندما توفى الغازي أرطغرل بن سليمان شاه في عام 1288م، ورث ابنه عثمان بن ارطغرل بن سليمان شاه الحكم عن والده في قيادة قبيلة الكاي، وهو الذي كان من وضع أساسات الدولة العثمانية التي سميت باسم عثمان الأول، وجعلها تصول وتجول في مشارق الأرض ومغاربها وحتى وصوله إلى مشارف أوروبا في حربه الصليبية والتاريخية مع الإمبراطورية البيزنطية التي عانت مرارة الضعف والانهيارات والهزائم المتتالية. واستطاع عثمان تأسيس الدولة العثمانية وفتح العديد من القلاع ونجح في الاستيلاء على قلعة يني شهر شمال غربي الأناضول حتى أصبحت بورصة ونيقية والقسطنطينية على مرمى حجرٍ واحد من الجيوش العثمانية الغازية.

 

معركة نيكوبوليس.. الإعصار العثماني الذي غزا أوروبا
معركة نيكوبوليس.. الإعصار العثماني الذي غزا أوروبا

وكان لأورخان بن عثمان دور كبير في الفتوحات الإسلامية في عام 1324م، وكان خير خلف لخير سلف، فكان خليفة اباه عثمان والذي تمكن خلال عامين من فرض سيطرته على مدينة بورصة بعد حصارٍ طويل أنهك تحصينات البيزنطيين وبذلك جعل أورخان بورصة عاصمة الدولة العثمانية. كما شرع في تأسيس جيش نظامي دائم ومستمر موالي بشكل مطلق للدولة العثمانية.

اقرأ ايضا: قيامة أرطغرل وقيامة عثمان مسلسلين أحيا تاريخ العالم الإسلامي واتهما بالسياسية

اقرأ ايضا: مسلسل قيامة عثمان والمسلسلات التاريخية التركية تحيي عظمة العثمانيين من جديد

ويتكون هذا الجيش من أسرى الحرب والعبيد من صغار السن الذين خضعوا لتدريبات عسكرية معقدة وصعبة وتربيتهم على مبادئ الإسلام القويم والطاعة وإتقان كافة الفنون القتالية والحربية، وعرف هؤلاء باسم الجيش الجديد بالعربية أما بالتركية عرف باسم يني تشاري، وبقت هذه القوات قروناً ضمن الجيوش العثمانية وقوتها الضاربة على كافة الثغور وجبهات القتال العثمانية مع الأعداء.

شرارة أورخان في أوروبا

وبعد وفاة عثمان بن ارطغرل، كان لابنه أورخان فتوحات جديدة والذي نجح في بسط سيطرته على المزيد من مناطق الأناضول وأبرزها فتح مدينة نيقية أخر معقل من معاقل البيزنطيين الكبرى في آسيا في عام 1357م.

 

واستطاعت الجيوش العثمانية بقيادة الغازي أورخان بن عثمان عبور مضيق الدردنيل لتطأ أقدامهم أوروبا لأول مرة، لتسطر الجيوش العثمانية فتوحات إسلامية جديدة في القارة الأوروبية وبذلك توسع نفوذ وسيطرة العثمانيين، لتسطر عهدا جديداً في تاريخ الصراع الإسلامي البيزنطي.

السلطان مراد الأول يوسع النفوذ العثماني في أوروبا

وخلف مراد الأول بن أورخان بن عثمان بن ارطغرل بن سليمان شاه آباه أورخان الذي توفى في عام 1360م ليتربع على عرش الدولة العثمانية. الذي فتح مدينة أدرنة القريبة من الشطر الأوروبي في عام 1361م الموجودة على مشارف مدينة القسطنطينية والتي اتخذوها عاصمة لهم، لتستمر حقبة الفتوحات والانتصارات والفتوحات في أوروبا، لتفتح بعض القرى والقلاع المجاورة لها والتي كان لها الدور في شل مدينة القسطنطينية وعزلها تماماً عن باقي المدن المسيحية في أوروبا.

 

وفرض مراد الأول بن أورخان حاصراً شديداً على القسطنطينية، وفتحت الدولة العثمانية معارك وجبهات جديدة ومباشرة مع المدن الدول المسيحية في جنوب شرق أوروبا وفي بلغاريا والبلقان واليونان، وبعد شعورهم بالخوف من المد العثماني الضخم راسلت الدول البابا الكبير في روما من أجل حشد الجيوش والقوات البيزنطية في حملة صليبية جديدة ضد الخطر العثماني الإسلامي الكبير.

 

وكان للعثمانيين روح المبادرة في الحرب وفي هزيمة تحالف أمراء الصرب والبلقان في أولى المعارك الكبرى في أوروبا في عام 1363م، ونجحت القوات العثمانية أيضاً إلحاق الهزيمة بالجيش الصربي على ضفاف نهر ماريتزا وبذلك تعززت القوة العثمانية في البلقان لينجح فيما بعد في السيطرة على مقدونيا وأجزاءً من صربيا الجنوبية، مما جعل بعض المدن والقلاع والدول المحيطة بدفع الجزية لبلاط أدرنة، وإعلان الخضوع والطاعة للجيوش العثمانية.

معركة نيكوبوليس.. الإعصار العثماني الذي غزا أوروبا
معركة نيكوبوليس.. الإعصار العثماني الذي غزا أوروبا

وفيما بعد استمر المد العثماني التركي في عام 1383م وأصبح يصول ويجول في مناطق جديدة، ففتحت مدينة صوفيا عاصمة بلغاريا في وقتنا الحالي، ثم سالونيك اليونانية، لتواصل الدولة العثمانية فتوحاتها الإسلامية في مناطق جديدة من أوروبا، فكانت سلالة عثمان غازي تواصل مسيرة الفتوحات والمعارك على خطى أجدادهم الغزاة سليمان شاه وابنه الغازي أرطغرل.

 

وبعد التوغل العثماني العميق في أوروبا وبسط نفوذها على العديد من المناطق تحركت صربيا سريعا وحشد الملك الصربي لازار في صيف عام 1389م كافة قوته العسكرية، وأصبح يلاحق الزمن من أجل وقف المد العثماني الكبير المتمركزة على حدود إقليم كوسوفو الصربية، فكان لهذه القوات والجيوش الصربية إلا الهزيمة أمام الجيش العثماني المنظم، وتمكنت القوات العثمانية من امتصاص صدمة الهجوم الصربي الأول.

السلطان بايزيد بن مراد الأول بن عثمان

وجاء الرد العثماني بهجوم مضاد على الجيوش الصربية ليحققوا انتصارا ساحقا وأسفر عن مقتل سالازار وجل فرسانه بين قتيل وجريح وأسير، وبعد معركة كوسفو استطاع أحد الجرحى الصرب في بعد انتهاء المعركة من طعن السلطان مراد الأول في صدره بسكين غادره أثناء تفقده جثث الصليبيين وجرحى المعركة، ليقتل السلطان ويرتقي شهيداً متأثراً بجراح خطيرة، ولينتقل العرش مباشرة إلى ابنه بايزيد الأول ليعكر صفو الانتصار الكبير الذي حققته الدولة العثمانية في تلك المعركة.

 

تولى بايزيد الأول زمام الأمور خلفاً لولده مراد الأول الذي عرف تاريخياً بالصاعقة لسرعته في قتال أعدائه في الشرق والغرب من الدولة العثمانية، وفي بداية استلامه قيادة الدولة سارع بايزيد لتهدئة الجبهات المشتعلة في أوروبا، فتولي ستيفن ابن الملك كوسوفو سالازار أميراً على صربيا، مقابل إعلان الخضوع والاستلام، ودفع الجزية للدولة العثمانية.

 

وبعد انبعاث السلام المؤقت في أوروبا تفرغ بايزيد من أجل إجهاض التمردات والثورات المحلية في الأناضول، وضم المزيد من المدن والقرى إلى سيطرته هناك، وكذلك أولى عناية فائقةً لانتزاع ما بقي من الأملاك البيزنطية في آسيا، حتى تقلَّصت مساحة الإمبراطورية البيزنطية إلى القسطنطينية وجوارها القريب، وبعض الجيوب المعزولة المتناثرة في البلقان. وأصبحت القسطنطينية واقعة تحت ما يشبه الحصار الدائم.

 

في عام 1394، خضعت معظم الأناضول لحكم الدولة العثمانية، فبدأ بايزيد بهجماته على شرق أوروبا، فتوغل الجيش العثماني في الأراضي البلغارية وعلى أثر ذلك وقعت صدامات عديدة مع أمير منطقة الفلاخ في رومانيا الحالية.

معركة نيكوبوليس.. الإعصار العثماني الذي غزا أوروبا
معركة نيكوبوليس.. الإعصار العثماني الذي غزا أوروبا

الحملة الصليبية الكبرى ضد الدولة العثمانية

وجراء الغارات العثمانية على بلغاريا شعر جون سيجسموند إمبراطور المجر بالخطر الشديد، فقام الإمبراطور بأرسال مناشدة إلى كافة دول أوروبا، وإلى روما، دعا فيها إلى شن حملة صليبية كبرى توقف التوسع العثماني في أنحاء أوروبا، وتدفعه إلى التراجع نحو هضبة الأناضول.

 

وفي تلك الحقبة التاريخية كانت روما تمر بمرحلة عصبية وانشقاق في الصفوف جراء تنازع اثنين من الباباوات على كرسي الحكم، إلا أنهما أيدا الحملة الصليبية الكبرى ضد الدولة العثمانية والاستجابة إلى الدعوات المجرية، وفور موافقتهم توافد آلاف الجنود والفرسان إلى المجر قادمون من فرنسا، وإقليم برغندي، وإنجلترا، وألمانية، وفرسان القديس يوحنا في جزيرة مالطة، ومملكة أراجون شمال شرقي إسبانيا المسيحية، ومدينتيْ جنوه والبندقية الإيطاليتين، ومتطوعون من مناطق أوروبية أخرى، وكان سيجسموند قد حشد جيشه أيضاً وتحركت الجيوش الصليبية في عام 1396 باتجاه سيطرة المناطق العثمانية في جنوب شرقي أوروبا.

 

وفي طريق جيوش الحملة الصليبية الكبرى انقلبت بعض الدويلات الصغيرة على الدولة العثمانية وهي من الدول التي تدين بالولاء للدولة العثمانية كما تحتوي على بعض الحاميات العثمانية الصغيرة، وجراء خوفهم من الجيوش الصليبية الكبرى استسلم غالبيّتها لهم، وفتكوا بالحاميات العثمانية المتناثرة في بلادهم، ولم تسلم بعض القرى والمدن المستسلمة من بطش المهاجمين العنصريين الذين أباحوا في الأرض فسادا وعدواناً وقتلا وقاموا بمعاقبتهم على خضوعهم سابقًا تحت سيطرة الدولة العثمانية.

معركة نيكوبوليس إعصار عثماني

سميت معركة نيكوبوليس على اسم حصن وقلعة نيكوبوليس التي تقع على ضفاف نهر الدانوب في الأراضي البلغارية حالياً، ومع بداية الحملة الصليبية توجهت إلى الحصن المنيع استطاعت الحامية العثمانية الدفاع عن الحصن الذي تم ترميمه لأسابيع عديدة وزيادة قدراته الدفاعية على الرغم من الهجمات المتتالية على حصن نيكوبوليس في معركة نيكوبوليس.

 

فاجئ السلطان بايزيد الأول الملقب بالصاعقة العثمانية الحملة الصليبية المهاجمة الحصن العثماني، وقاد جيوشاً ضخمة باتجاه الحصن المحاصر بعدما كان بايزيد منشغلًا بحصار القسطنطينية، فلما بلغته أنباء الغزو، رفع الحصار فورًا، واندفع بكل ما تحت يديه من قواتٍ نحو الحصن المحاصر، الذي يمثل بوابة النفاذ إلى أعماق مناطق السيطرة العثمانية بأوروبا.

 

وبفعل الهجوم العثماني المباغت لفك الحصار عن نيكوبوليس في معركة نيكوبوليس سادت الاضطرابات في صفوف الجنود ضمن قوات الحملة الصليبية التي توجهت لاقتحام الحصن. لكن كان بايزيد حاضراً فأوقع الجنود الصليبين في النصف بين فكي كماشة، وبذلك فشلت الحملة الصليبية للسيطرة على الحصن وفي ترتيب خطة موحدة للمواجهة، ولم تستمع الجيوش الصليبية إلى المتمرس في خوض الحروب لنصائح سيجسموند الذي يعرف تكتيكات وطرق الحرب مع العثمانيين.

 

ووقعت أحداث معركة نيكوبوليس الطاحنة ودارت رحاها قرب أسوار حصن نيكوبوليس حيث اندفع الفرسان الفرنسيون والصليبيون نحو جموع الجيوش العثمانية، محاولين زعزعتها بمهاجمتهم بالأسهم ولى الرغم من الخسائر في صفوف العثمانيين الأولية، استطاع بايزيد من بسط سيطرته على معظم قوام جيشه وبدأ يناور بقواته بهدف إيقاع خسائر كبيرة في صفوف المهاجمين، ثم أرسل باحتياطاته الكبيرة في ميدان المعركة ونجح في استعادة التوازن، وتمكن بصد الهجوم وبالهجوم المضاد العثماني من عزل القوات الفرنسية المندفعة حيث استطاع أن يوقع بها في كمين محكم تحت سفح تلال سيطر على مرتفعاتها الرماة العثمانيون ووضعوا في أسفلها العوائق من أجل ابطاء المهاجمين المندفعين من الفرسان.

معركة نيكوبوليس.. الإعصار العثماني الذي غزا أوروبا
معركة نيكوبوليس.. الإعصار العثماني الذي غزا أوروبا

أحداث معركة نيكوبوليس

فنجح العثمانيون في استدراج الفرسان الصليبين إلى التلال، فقاموا بإطلاق رشقات السهام كأمواج البحر الهادرة اتجاه تلك القوات فوقع الكثير من هؤلاء بين قتيل وجريح وعلى الرغم من ذلك استمر الفرسان الصليبين بمهاجمة العثمانيين وظنوا أنهم قد انتصروا في المعركة ألا أن العثمانيين استدرجوهم إلى كمين محكم. وقامت قوة من فرسان السيباهي العثمانية بالالتفاف خلف الفرسان والجند الصليبيين، فحوصرت القوات الصليبية ولاقت القتل وأمر عذاب.

 

كما كان يحارب إلى جانب العثمانيين في معركة نيكوبوليس، قوات صربية تابعة لحليف بايزيد وصهره، ستيفن بن لازار، ملك صربيا.

وتحرك سيجسموند من أجل فك الحصار عن قواته فاندفع بقواته المهاجمة من ثلة من الفرسان والمشاة نحو الجنود المحاصرين لنجدتهم، لكن كان لفرق السيباهي العثمانية القول في أرض المعركة، فكانوا خفاف الحركة وسريعون في التنقل حيث استطاعوا أطباق حصار محكم على القوات المندفعة ونجحوا في تطويق الجيش الصليبي من كافة الاتجاهات وأصبحت كافة قوات العدو محاصرة بالكامل في منطقة موت محكمة.

 

وتكبد العثمانيين خسائر في المعركة بفعل استدراجهم للقوات الصليبية ألا أنهم نجحوا في تحويل ساحة المعركة إلى ساحة من الدماء مفتوحة في وجه الصليبيين، وخلال معركة نيكوبوليس استطاع الإمبراطور قائد الحملة الصليبية سيجسموند مفر الهرب من الحصار ومن المعركة مع مجموعة من الفرسان بعد أن كسروا الحصار المطبق عليهم من قبل الجيوش العثمانية.

 

وعلى أثر معركة نيكوبوليس سقط الكونت دي نيفر البرغندي قائد القوات الصليبية أسيرًا في قبضة العثمانيين بعد أن قُتِل معظم قواته. وسارعت القوات العثمانية في ملاحقة فلول الهاربين من القوات الصليبية والفرسان الهاربين من أرض المعركة بعد هزيمتهم، وفقد الصليبيون معظم فرسانهم وجنودهم بين قتيل وأسير. ومن أجل الانتقام منهم على ما فعلوه مع أسرى المسلمين خلال المعركة من قتل أمر السلطان بايزيد بقتل آلاف الأسرى من الصليبيين لتكون السابقة الأولى في تاريخ الدولة العثمانية، كما قبل بايزيد بفدية مالية كبيرة مقابل إطلاق سراح الكونت دي نيفر بعد أن حلَّفه بأغلظ الأيمان ألا يعود إلى حربه ثانية.

اقرأ ايضا: مرسين التركية.. الجنة وجهنم على بعد خطوة من الشرفة ما هي القصة ؟

وكانت معركة نيكوبوليس حجر أساس ثبت أقدام العثمانيين في كلاً من بلغاريا والبلقان لأكثر من 5 قرون، وعزَّزت من سمعة الدولة العثمانية وجيشها في أوروبا، بأنها قوة لا تقهر، وحافظ العثمانيون على سمعتهم لمدة قرنين متتاليين على الأقل. وبعد معركة نيكوبوليس التاريخية، كان الطريق مفتوحاً أمام السلطان بايزيد الأول لاقتحام مملكة المجر والتوسع إلى وسط أوروبا في السنوات التالية.

من إعداد: محمد السكني

اقرأ ايضا: سلاطين بني عثمان “عثمان الثالث”

 

فريق التحرير

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *